أعياد القديسين
3
اذار - مارس
ماروني
01 آذار
تذكار البارة دومنينا
قال المؤرخ تاودوريطس: انها ابنة والدَين مسيحيين غنيين تقيين. قد تبعت سيرة القديس مارون العظيم، فنصبت لها في بستان والدها كوخاً فقيراً من ورق الذرة، أقامت فيه مصليّة، باكية. وكانت تنفق المال على الفقراء والمعوزين. وعلى الرغم من نحافة جسمها، لم تكن تتناول من الطعام سوى العدس النقيع. ولم يكن من حدّ لتقشفاتها الشاقة. وكانت تعنى عناية خاصة بالنساك والعابدات. فرغب كثير من النساء في طريقتها حتى كاد عددهن يربو على المئتين والخمسين عابدة. وقد ازدهرت هذه الرهبانية قروناً وعرفت برهبانية مار مارون النسائية.
وبعد ان جاهدت البارة دومنينا الجهاد الحسن، رقدت بالرب نحو السنة 455. صلاتها معنا. آمين.
02 آذار
البطريرك يوحنا مارون
مار يوحنا مارون هو راهب من دير مار مارون وأسقف البترون وجبل لبنان. انتُخب أول بطريرك على الكنيسة المارونية خلال النصف الثاني من القرن السابع بعد المسيح (حوالي 686 م) عندما اصبح الكرسي الأنطاكي شاغراً. وهو أول بطريرك ماروني على انطاكية والثالث والستون بعد القديس بطرس الذي أسّس الكرسي الأنطاكي في القرن الأول بعد المسيح. فبهذا العمل كانت بداية تنظيم وبناء الكنيسة المارونيّة على الصعيد الكنسي والوطني والإجتماعي.
اضطُّر مار يوحنّا مارون وتلاميذه إلى الهجرة إلى لبنان بسبب الإضطهاد الذي ألحقتهم به الجيوش الرومانية والإسلامية. فانتقل إثر ذلك الكرسي البطريركي إلى كفرحي البترون حيث شُيِّد دير (ريش مرو ومعناه رأس مارون) لتوضع فيه جمجمة مار مارون.
فمنَ الناحية التقليديّة هذا هو المكان حيث توفي مار يوحنا مارون ودُفن في 9 آذار 707م. وتحتفل اليوم الكنيسة المارونية بعيده في الثاني من شهر آذار.
كان مار يوحنا مارون ذا موهبة خاصة بالحماسة الرسولية المناضلة. ففي عهد رئاسته حقق الموارنة انتصاراً حاسماً ادّى إلى التفاف شعب لبنان حول البطريرك. إلى أنّ مار يوحنا مارون لم يكن زعيماً وطنياً فحسب بل كان أيضاً قديساً جاهداً في مهمته الرسولية إذ إنه عَلَّمَ وبشَّر وزار أبناء أبرشيته خصوصاً خلال الفترة التي انتشر فيها وباء الطاعون (685م) وله في رتبة القداس نافور على اسمه كما انه ألّف كتاباً عن العقيدة اللاهوتيّة.
يقف مار يوحنا مارون في هذه الأيقونة وهو جريء ومهيب في ثوبه الكنسي الليتورجي ذي اللونين الأحمر والأبيض. أما عصاه "عصا سلطته" وصليبه البطريركي فقد صنعا من الخشب كما درجت العادة في ذلك الوقت.
يحمل بيده اليمنى الصليب الماروني ذا الشعب الثلاث وبيارك به...
تبارك الله في قدّيسيه.
03 آذار
تذكار القديس توما اللاهوتي
ولد توما سنة 1224 في قصر روكّا سيكّا في اكوين بإيطاليا. ابوه الكونت كندلفو، يمتّ بالنسب الى فريدريك الثاني امبراطور المانيا، ووالدته تاودورا، فرنسية تقية. ولما بلغ الخامسة ارسله ابوه الى مدرسة دير جبل كاسّين، حيث كان الرهبان البنديكتيون له خير مثال. ومما يروى انه رغم حداثته كان يطرح هذا السؤال: "ما هو الله؟".
اكمل دروسه في كلية نابولي. وعام 1244، دخل الرهبانية الدومينيكية على الرغم من مقاومة امه الشديدة التي قبضت عليه وحجزته في قصرها مدة سنة، فكان معتصماً بالصبر يزداد ثباتاً وزهداً في دنياه. أرسله رؤساؤه الى مدينة كولونيا ليتمّ دروسه على يد العلاّمة الدومينيكاني القديس البرتوس الكبير، فانكبّ على الدرس حتى تفوّق على جميع اقرانه. وكان توما، بجسمه الضخم، قليل الكلام، كثير التفكير فيخيّل الى رفقائه انه غليظ العقل، فدعوه الثور الابكم. فقال لهم استاذهم البرتوس "ان هذا الذي تدعونه ثوراً، سوف تسمع خواره الدنيا". رُقّي الى الدرجة الكهنوتية سنة 1248 وله من العمر خمس وعشرون سنة، فازداد قداسة واتحاداً بالله.
وساء بخطى واسعة في طريق العلم وتولّى منبر التعليم في جامعة باريس، وهو في غضّ الشباب، فبهر تلاميذه بمعارفه وشروحه وخطته الجديدة في التعليم. وآثر فلسفة ارسطو على فلسفة افلاطون.
فطارت شهرته وكانت له المنزلة الرفيعة عند الاحبار الاعظمين، وكان الملك لويس التاسع يسترشده ويأخذ بآرائه. لكنه، مع كل ما كان عليه من عبقرية علمية، وما له من منزلة رفيعة لدى عظماء الدنيا، ظل ذلك الراهب الوديع المتواضع، يكثر من الصلاة والتأمل وتلاوة الفروض الرهبانية. وكان يقول: "انني احرزت بالصلاة من العلم اكثر مما بالدرس".
دعاه البابا غريغوريوس العاشر الى مجمع ليون فلبّى الدعوة على رغم توعّك صحته ومشقة السفر، فاشتد المرض عليه في الطريق فعرّج على دير سيتو لرهبان القديس مبارك، فشعر بدنو اجله وقال: "ههنا مقام راحتي الابدية". فلزم الفراش، ورقد بالرب في اليوم السابع من شهر آذار سنة 1274 وله من العمر خمسون سنة.
وقد اجرى الله على يده معجزات عديدة باهرة في حياته وبعد مماته. اما ما وضعه من التآليف الثمينة بمدة عشرين سنة اغنى بها الكنيسة فيعجز القلم عن وصفها. وقد قال فيه البابا يوحنا الثاني والعشرون ببراءة تثبيت قداسته في 18 تموز سنة 1323: "ان كل فصل من كتبه ينم عن آية عجيبة". وكفى بخلاصته اللاهوتية الشهيرة ان تبقى، مدى الاجيال، دستوراً للمدارس الاكليريكية شرقاً وغرباً. وقد اعلنه البابا لاون الثالث عشر شفيعاً لجميع المدارس الكاثوليكية. ودعي المعلم الملائكي وشمس المدارس. صلاته معنا. آمين.
09 آذار
تذكار الشهداء الاربعين
كان هؤلاء الابطال من الكبدوك قواداً في فرقة رومانية، تحت قيادة ليسياس الوثني. ولما اجتمع الجيش في سيبسطية بأرمينيا لتقدمة الذبائح للأوثان، امتنع هؤلاء الاربعون عن الاشتراك في تلك الذبائح. فاستدعاهم الوالي اغركولا واخذ يحقق معهم فاعترفوا بأنهم مسيحيون. فأمرهم بأن يضحوا للآلهة. فأبوا. فقال لهم: "ضحوا للآلهة فيعظم شأنكم، والا تجردون من مناطق جنديتكم". فأجابوا: "خير لنا ان نخسر مناطق جنديتنا ولا نخسر يسوع المسيح الهنا".
فأرسلهم الى السجن، حيث قضوا الليل بالصلاة. فظهر لهم الرب بغتة يشجعهم ويقويهم على الثبات حتى النهاية لنيل اكليل الشهادة.
وفي اليوم الثاني، اخذ الوالي يتملقهم فلم ينل منهم مأرباً. فأمر باعادتهم الى سجنهم.
وجاء قائدهم ليسياس يسعى في استمالتهم، فلم ينجح. فتهددهم بنزع مناطقهم. فأجابه احدهم كتديوس: "انتزع مناطقنا فإنك لا تقدر ان تزحزحنا عن محبة المسيح". فحنق وامر فضربوهم بالحجارة على وجوههم، فكانت الحجارة تعود الى الضاربين.
فأمر الوالي بأن يطرحوهم في بحيرة قد تجلد ماؤها. فكان يشجع بعضهم بعضاً قائلين: "نزلنا اربعين الى الماء، سنذهب اربعين الى السماء". غير انه، لشدة البرد فرغ صبر احدهم، فخرج من الماء ودخل حماماً، فخارت قواه ومات. فحزن الشهداء لكنهم تشددوا بالصلاة والعون الالهي. وبغتة رأى احد الحراس نوراً ساطعاً واذا بملائكة يحملون اكاليل لرؤوس التسعة والثلاثين شهيداً. فدهش من هذا المشهد العجيب وحركت النعمة قلبه، فصرخ برفاقه: انا مسيحي! ورمى ذاته في الماء. فنال الاكليل الذي خسره ذلك الجبان المسكين. فأصبح الشهداء، كما تمنّوا، اربعين شهيداً. وكان ذلك في التاسع من شهر آذار سنة 320.
فالكنيسة الشرقية تفاخر بهؤلاء الشهداء وتقدمهم خير مثال لأبنائها، ولا سيما للشبان اقتفاء لآثارهم في بطولة الايمان والمحبة والتضحية بكل شيء في سبيل المحافظة على المبادئ القويمة والآداب السليمة. صلاتهم تكون معنا. آمين.
12 آذار
تذكار البابا غريغوريوس الاول الكبير
ولد في روما نحو سنة 540. ابوه غرديانوس من اعضاء مجلس الشيوخ كان ذا نفس ولوعة بالفضيلة وعمل الصلاح. اما امه سيلفيا فقد كرست ايامها الاخيرة لعبادة الله في احد الاديار.
ترعرع غريغوريوس في حضن البرارة والقداسة، وتثقف بالعلوم فأقامه الملك يوستينوس الثاني والياً على مدينته روما وهو في الثلاثين من عمره. ولما توفي والده، عاف الدنيا وما فيها، واخذ ينفق امواله الطائلة على الفقراء وتشييد الاديار، فأنشأ في صقليه ستة اديرة، وديراً في بلاطه بروما. ثم انضم الى رهبان القديس مبارك. رسمه البابا بنديكتوس الاول كاهناً فذهب الى انكلترا ليبشّر سبع سنين في تلك العاصمة. رجع الى روما، ونفسه تتوق الى حياته الرهبانية. فآب الى ديره، فاختاره الرهبان رئيساً. فأخذ يشدد بحفظ القوانين. وفي سنة 590، اجمع الاساقفة والاكليروس والشعب على انتخابه خلفاً للبابا بيلاجيوس رغماً عنه.
وقد عني هذا البابا القديس بإصلاح الليتورجيا وتنظيمها. ورتّب طقوس الكنيسة بكتابه المسمّى "الطقس الغريغوري" كما اهتم الاهتمام الخاص بالموسيقى الكنسية التي كان مولعاً بها، وهي تعرف باسمه. وقد عمّم البابا غريغوريوس تلاوة المزامير في الخورس، بين جوقتين، كما رأى ذلك في القسطنطينية.
وبعد هذه الاعمال الرسولية والامجاد الباهرة، حق لهذا البابا غريغوريوس الاول ان يلقّب بالكبير، لأنه كان كبيراً في جميع مراحل حياته. ورقد بالرب في الثاني عشر من آذار سنة 604 بعد ان اغنى الكنيسة بتآليفه العديدة، وهو من معلّميها الاعلام. صلاته معنا. آمين.
15 آذار
تذكار القديس بنديكتوس مؤسس الرهبانية في الغرب
ولد هذا القديس العظيم في ايطاليا سنة 480 وهو سليل اسرة شريفة غنية وتقية. فأرسله والده الى روما لاقتباس العلوم فبرع فيها. لكن ما كان يراه من سوء السلوك في رفقائه ومن المفاسد والشرور في تلك العاصمة، دفعه الى تركها والرجوع الى بيت ابيه. وما لبث ان عقد النيّة على الزهد في الدنيا، وهو في الرابعة عشرة من العمر. فانسل ذات يوم من بيت ابيه، سراً. تاركاً ما فيه من ثروة ونعيم ليكون بكليته لله في العزلة والانفراد. فسار في الجبل حيث التقى براهب قديس اسمه رومانوس، سأله قصده، فابدى له عن رغبته في التنسك فألبسه الاسكيم الرهباني. فقام بنديكتوس يناجي الله في خلوته السعيدة، ممارساً الصلوات والاصوام مدة ثلاث سنوات، حتى تسامى بالكمال. فاشتهرت قداسته عند المجاورين لمنسكه. واذ كان ابليس يجربه كان يطرح ذاته على الاشواك، الى ان تفارقه التجربة. وقد خاض هذه المعركة مراراً، حتى انتصر اخيراً انتصاراً باهراً. فمنحه الله عفّة ملائكية مدى الحياة. فقصده الكثيرون يرغبون في الاقتداء بسيرته، منهم الشابان تلميذاه موريس وبلاسيد. ولما كثر عدد تلاميذه، أنشأ لهم اثني عشر ديراً. وكان هو يرشدهم ويهتم بأمورهم. وفي سنة 530 اوحى الله اليه ان يذهب الى جبل عال منفرد يدعى جبل كاسينو، حيث بنى الدير الرئيسي للرهبانية البندكتية.
وقد وضع قانوناً مشهوراً لرهبانه، يشفّ عما في تلك النفس الابيّة المتحدة بالله. ثم انتقل الى رحمته تعالى في 21 آذار سانة 547 بعد ان قضى في ديره في جبل كاسينو نحو ثلاث عشرة سنة. وبعد موته، انتشرت رهبانيته واديرتها في جميع الاقطار. وقدّمت للكنيسة وللإنسانية وما زالت، خدماً جليلة كبيرة. وكان من رهبانه باباوات عظام، وقديسون، واساقفة كثيرون، وعلماء قد افادوا الكنيسة وشرّفوها بسامي فضائلهم، وغزير علومهم. صلاته معنا. آمين!
17 آذار
تذكار القديس لعازر الذي اقامه السيد المسيح من القبر
كان لعازر من بيت عنيا في ضواحي اورشليم. وكان رجلاً فاضلاً وغنياً صديقاً للسيد المسيح الذي كان يتردّد الى بيته، وقد اقامه من القبر بعد ان مكث فيه اربعة ايام كما قال يوحنا الحبيب (يو 11/ 41-44).
وبعد صعود المخلص الى السماء، قبض اليهود على لعازر وعلى اختيه مرتا ومريم والقوهم في البحر، فقادتهم العناية الالهية الى مدينة مرسيليا في فرنسا حيث بشروا بالانجيل، وآمن على يدهم كثيرون. وبحسب تقليد قديم صار لعازار اسقفاً على مرسيليا. وبعد ان ساس كنيسته احسن سياسة قبض عليه الوثنيون، فاستحضره حاكم المدينة امامه وامره بأن يضحّي للأصنام، فأبى مجاهراً بإيمانه بالمسيح فأمر الوالي بتمزيق جسده باظفار من حديد ورشقوه بالنبال. فنال اكليل الشهادة في القرن الاول للميلاد نحو سنة 60. صلاته معنا. آمين.
18 آذار
تذكار القديس كيرللس اسقف اورشليم
ولد كيرللس في اورشليم سنة 315 وقد اتقن الآداب اليونانية، وقرأ كتب الفلاسفة الوثنيين. وعرف ما فيها من ضعف ونقص، اذ تعمّق في العلوم الدينية، ودرس الكتب المقدسة، وتآليف الآباء القديسين، واكتنه معانيها.
فرسمه القديس مكسيموس اسقف اورشليم شماساً سنة 334، ثم كاهناً. ووكل اليه ارشاد الموعوظين من اليهود والوثنيين في كنيسة القيامة. فأقام على ذلك ستة عشر عاماً، يعلّم عقائد الديانة المسيحية ويلقي مواعظ الآحاد على المؤمنين. وكان الناس يتزاحمون حول منبره لسماع كلامه. وقد ترك لنا ثلاثاً وعشرين خطبة يشرح في بعضها قانون الايمان وفي غيرها الاسرار المقدسة. وفي السنة 351 رقد بالرب مكسيموس اسقف اورشليم، فأجمع الاساقفة والشعب على انتخاب كيرللس خلفاً له. فاتسع له مجال العمل فقام يرعى شعبه بنشاط متشدد. وكانت الهرطقة الاريوسية انتشرت انتشاراً هائلاً لانضمام ملوك القسطنطينية اليها. وكان القديس كيرللس اشد المكافحين لها. لذلك كان هدفاً لسهام الاريوسيين. فقاموا يسعون به لدى الملوك مناصريهم حتى نفي ثلاث مرات. وهو حامل صليبه بجميل الصبر والاستسلام لمشيئة الله، ولم يرجع الى كرسيه الا بعد موت الملك فالنس الاريوسي عام 370.
وقد حضر المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 ضد مكدونيوس الناكر الوهيّة الروح القدس. وكان كيرللس من ابرز الآباء الذين لمعوا في المجمع. وقد ألّف كتباً كثيرة جزيلة الفائدة، للكنيسة وللمؤمنين. ورقد بالرب سنة 386. صلاته معنا. آمين.
19 آذار
القديس يوسف خطيب البتول مريم
لم يحفظ الكتاب المقدّس لهذا القديس العظيم كلمة خرجت من فيه، ولم تسمع الأرض نطقاً له. بل كان صمته وكماله، وجمال نفسه، وبديع صفاته، وسمو فضائله، مع بساطة حياته، اروع تعليم، وافصح بيان، واجمل فلسفة خرجت من فم إنسان. القديس يوسف مثلٌ أعلى للشبّان وللرجال وللأزواج ولارباب العيال، وللرهبان المتبتلين، وللبنات العذارى الأبكار، كما انه شفيع لهؤلاء جميعاً في دينهم ودنياهم. لأنه جمع في شخصه وفي حياته اسمى المزايا واكمل الفضائل التي يمكن ان يتحلى بها إنسان في هذه الدنيا.
كان يوسف البتول من بيت لحم، من سبط يهوذا ومن عشيرة داود. فكان بذلك من أشراف اسرائيل مولداً ومنشأ وحسباً ونسباً. إلا ان الله، الذي كان قد اراد لإبنه الوحيد حياة الاتضاع والفقر، شاء ان يكون الرجل الذي سوف ينتدبه ليكون الحافظ الأمين لأمه، والخادم الحكيم الصادق ليسوع في حداثته، فقيراً مسكيناً، لا شأن له بين قومه، ولا ذكر له بين أهله وعشيرته.
لكن غنى القديس يوسف كان في قلبه. وكانت ثروته اخلاقه وفضائله. فاصطفاه الله بين جميع رجال اسرائيل لأعظم رسالة دعا إليها بشراً. فكان يوسف ذلك الرجل الذي حقق مقاصد الله فيه...
جعل يوسف حياته كلها، وعواطفه واتعابه وشغله وقواه واسهاره وافكاره وفقاً على خدمة مريم وابنها يسوع، ومحبتهما والتفاني في سبيلهما.
23 آذار
تذكار القدّيسة رفقا
أبصرت القدّيسة رفقا النور في حملايا، إحدى قرى المتن الشمالي بالقرب من بكفيا، في 29 حزيران يوم عيد القدّيسين بطرس وبولس، سنة 1832
بقيت وحيدة لوالديها: مراد صابر الشبق الريّس، ورفقا الجميّل.
قَبِلَت سرّ العماد المقدّس في 7 تموز سنة 1832، ودُعيت بطرسية. نشّأها والداها على حبّ الله والمواظبة على الصّلاة. تُوفّيَت الوالدة سنة 1839، ولمّا تزل رفقا في السّابعة من عمرها، وقد كانت مولعة بحبّها.
وَقعَ والدها في الضيق والعوز، فأرسلها إلى دمشق سنة 1843 لتخدم في بيت أسعد البدوي، اللبنانيّ الأصل، على مدى أربع سنوات.
عادت رفقا إلى البيت الوالديّ سنة 1847، فآلمها أنّ والدها قد تزوّج في غيابها. بدَت رفقا جميلة الطّلعة، حلوة المعشر، خفيفة الرّوح، رخيمة الصوت، تقيّة وديعة. فأرادت خالتها (شقيقة أمّها) أن تزوّجها بابنها، وخالتها (زوجة والدها) بشقيقها، ممّا أدّى إلى خصامٍ بينهما. حزِنَت رفقا لهذا الخلاف، واختارت أن تعتنِق الحالة الرّهبانيّة.
25 آذار
تذكار بشارة سيدتنا مريم العذراء
قال لوقا الانجيلي: في الشهر السادس (من الحبل بيوحنا)، أرسل الملاك جبرائيل من قبل الله، الى مدينة في الجليل تسمى الناصرة، الى عذراءٍ مخطوبةٍ لرجل اسمه يوسف من بيت داود، واسم العذراء مريم. فلّما دخل الملاك اليها، قال لها: "السلام عليك يا ممتلئة نعمة، الرب معك". فاضطربت مريم وجعلت تفكّر ما عسى ان يكون هذا السلام. طمأنها الملاك على حفظ بتوليتها، مؤكداً لها ان هذا السر يتم في حشاها بقوة الروح القدس. فوثقت بكلامه، وقالت متضعة: "ها انا امة الرب، فليكن لي بحسب قولك، وانصرف من عندها الملاك" (لوقا 1/ 26-38). فبذلك اوضح لنا الانجيلي، بأجلى بيان، عن حقيقة سر التجسد الالهي التي عليها يرتكز الدين المسيحي. انها لأسعد برى تزفّها السماء الى الارض. بها أتمّ الله وعده بخلاص الجنس البشري بعد السقطة الآدمية، اذ قال للحية اي ابليس: "واجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، فهو يسحق رأسك..." (تك 3/ 15)، "ولما بلغ ملء الزمان، ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس" (غلاطيه 4/ 4).
وقد وعد الله ابراهيم بأن المخلص يأتي من نسله. وقال بلسان موسى: "ان الرب يقيم لكم مخلّصاً من اخوانكم". "فالكلمة صار جسداً وحل بيننا" (يو 1/ 14). وقد اعطى الملاك للعذراء علامة وهي حبل نسيبتها اليصابات العاقر. فقالت مريم: "ها انا امة الرب، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1/ 38). وقد حفلت النبوءات بسر التجسد منذ القديم، وحسبنا آية اشعيا الشهيرة: "ها ان العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (اشعيا 7/ 14). وقد تم هذا السر في احشاء سيدتنا مريم العذراء بقوة الروح القدس. فأتحد الكلمة الازلي طبيعتنا البشرية بأقنومه الإلهي القائم بطبيعته الالهية والبشرية، كاملتين متميزتين بفعليهما الالهي والبشري.